النجاح في عالم متغير ,لماذا؟
عندما تطرح سؤالا عن تعريف النجاح على عدد من الناس فإن أغلبهم يميل في بداية الأمر الى إعطاء تعريف مجرد قد لا يمت للواقع بصلة، إنما ينشأ من مرجعياتهم الثقافية ببعدها المعلوماتي فقط، فالمتدين يحاول أن يقترب من التعريف الديني للنجاح بغض النظر ان كان هذا التعريف يحكم فعله على الواقع ام لا، والعلماني يحاول ان يستعير مقولات جاهزة لمفكرين حديثين وهكذا ..
غير أنك اذا طرحت السؤال بصيغة اخرى على شكل تمرين يتضمن المسألة دون تصريح أو إذا طرحت سؤالا مباشراً للشخص عما يسعده ويجعله راضياً عن نفسه، فإن اللإجابات عندها ستتفاوت تبعاً لخلفية المستهدف بالسؤال الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية وحتى السياسية، متاثراً بلا شك بنشاته الاولى ووضعه الحاضر. وستكون الاجابات اكثر قربا من حاجاته الأصيلة والملحة. فما هي حاجات الشابة / الشاب المعاصر الذي نشأ في أسرة عربية / مسلمة في هذا العالم المضطرب والمتغير؟
بعد استفتاء قام به فريق عملنا وشمل عينة عشوائية لشباب عرب ومسلمين تراوحت أعمارهم بين 18-30 عاما، ينتمون الى بيئات ثقافية واجتماعية وبلدان مختلفة، تمكنا من تلخيص ما يشغل أذهانهم ويلح عليهم في ثلاث دوائر :
الدائرة الاولى: الوصول الى سلام نفسي / نسبي أو كبير يمكّن الشاب من التعامل بثقة وايجابية مع المحيط وتغيراته ببعديه الخاص والعام. (الدائرة الخاصة).
الدائرة الثانية: الحصول على مهارات ذهنية ونفسية تمكنه من النجاح والتفوق في عمله (دائرة العمل والمحيطين).
الدائرة الثالثة: الحصول على معرفة أولية بمداخل لعب دور أكثر فاعلية داخل المجموعة التي ينتمي اليها الشاب / بابعادها المحلية والوطنية والعالمية، بما ينسجم مع معتقداته ومنظومة قيمه (دائرة الشان العام).
لاحظنا في ذلك أن العامل المشترك بين الدوائر الثلاث كان تطوير “قدرات الفرد الذاتية النفسية والذهنية والمعرفية” لتجاوز المازق الراهن ومن ثم التفوق.
فاين يكمن المازق في راي الشباب؟
على المستوى الخاص يعيش الشاب / الشابة تناقضاً بين رغبته وحاجته للالتحاق بالعصر وبين رغبته وحاجته للانسجام مع موروثه القيمي وبنائه العقائدي.
على المستوى المهني يعاني الشباب من الهوة بين مناهج التعليم التقليدية السائدة في البلدان العربية والمسلمة خصوصاً وبين متطلبات التفوق الحديث، كما تنعكس عليهم الأزمات الإقتصادية والسياسية بشكل مباشر وتخضعهم لشروط منافسة قاسية مع أقرانهم الحاصلين على تأهيل علمي ومهني أعلى.
أما على مستوى الشأن العام، فإن الشاب / الشابة يجد نفسه في الأغلب ضحية ظروف ثقافية، اجتماعية وسياسية محلية وعالمية لم تكن له يد في خلقها غير أنها تترك أثراً كبيراً على حياته ومصيره، وتحركه دوافع عديدة للاستجابة لهذه المؤثرات، وقد يجد نفسه معبأ لصالح جهات لا تخدم مصلحته بالضرورة، مستثمرة استجابته الانفعالية للضغط الجارف للمحيط. ويلعب العامل الديني دوراً بالغ الأهمية في هذه التعبئة، التي قد ينتهي المطاف بالشاب / الشابة الى رفضها باطنا لانها لا تخدم مصلحته، والقبول بها ظاهرا للانسجام مع السائد. يلخص الشباب مأزقهم هنا في الحاجة الى مرجعية اصيلة وراسخة تؤسس لمفاهيم غير مشوهة من أجل التعامل مع مثل هذا الوضع وتحولهم بالتالي من ضحايا يقع عليهم الفعل فيستجيبون بعشوائية الى قادة يبادرون بمنهج ورؤية.
من هذه المنطلقات الثلاثة تأسس تفكيرنا بشأن هذه الدورة التدريبية التي تستهدف الشباب العربي والمسلم في البلدان العربية والمسلمة، وأبناء جالياتهم في الغرب.
فماذا سنقدم لهم؟
اولا: المنهج
نعتمد في هذه الدورة التدريبية طريقة عملية لتفكيك المفاهيم وإعادة تركيبها، الهدف منها إعادة تكوين الذهن بشكل واع ومدروس على أساس مرجعيات أصيلة وراسخة. ونتبنى أسلوب المعادلات الميسرة، المتاسسة على المفاهيم القرانية القطعية وكذلك المعطيات العلمية الثابتة عن طبيعة الفرد وحركة المجتمعات (علم النفس التطبيقي، علم أعصاب الدماغ، علم الاجتماع السياسي والانثروبولجيا)، دون الخوض في الخلفيات النظرية والاكاديمية.
هناك رابط مركزي يجمع كل فصول الدليل وفقرات البرنامج نحو هدف محدد ومن خلال فرضيات محددة. وتشمل فصول الدليل مفاهيم ثابتة ومترابطة ومتسلسلة.
تتلخص اهداف الدورة في :
- تحديد الازمات والتحديات التي تواجه الفئة المستهدفة وتكوين قناعات بالمداخل الرئيسية للتعامل معها، بداية من فهم طبيعة احتياجات ومشاعر وتصورات الفئة المستهدفة في اللحظة الراهنة تجاه التحديات والازمات المذكورة انتهاء الى تكوين قناعة بأن جذور الازمة تكمن في الانسان باعتباره سيد البيئة وان التغيير يتم عبر تغيير الانسان وان مفتاح تغيير الانسان هو الوعي وهو متعدد الابعاد، وان تغيير الوعي عند المسلمين يقتضي مراجعة معمقة لفهم المكون الديني واثره في تشكيل الوعي.
- تاسيس مرجعيات متينة للوعي بابعاده الثلاثة المستقلة عن بعضها والمتداخلة في نفس الان. المرجعيات الثلاث هي: المرجعية القيمية المجردة، المرجعية الموضوعية للمحيط المادي، ومرجعية الذات والتكوين النفسي والذهني.
- التوعية بالشؤون العامة للمجتمع وأنظمة الحكم البشري في القرن 21 وخصوصا في بلاد المسلمين، يقدم هذا الجزء تصورات عن مناهج إدارة المجتمع والدولة ويناقش مداخل الإنخراط في الشأن العام لدى الشاب ومزالقه ويؤسس لمدخل علمي / قراني للتعامل مع الشان العام.
- تجهيز الفئة المستهدفة بأدوات ومهارات العمل المؤسسي الناجح، مناهج الادارة الحديثة ومهارات القيادة والعمل الجماعي.
ثانيا: الالية
تنقسم مادة الدورة الى أربع وحدات رئيسية:
وحدة وعي الصلة بالنفس.
وحدة النسق القيمي القراني.
وحدة الشان العام.
وحدة مهارات الأداء الوظيفي الأفضل.
التسلسل والفترة الزمنية المطلوبة لكل وحدة تدريبية يعتمد على الفئة المستهدفة ويترك لتقدير المدرب.
الفترة المقترحة: ثلاثة أيام بمعدل خمس ساعات يومياً.
توزيع الأيام والساعات يترك لتقدير المدرب.
ثالثا: النتائج المتوخاة
مؤشرات النجاح في تحقيق الدورة التدريبية لاهدافها :
ثقة المشارك بفهمه ومقاربته الجديدة لنفسه وتركيبة ذهنه، وقدرته على تفكيك قناعاته الجوهرية، وثقته بامكانية التعامل مع الازمات المحيطة من منطلق المبادرة والبحث عن حل .
التأسيس لصلة جديدة للمشارك بالقران الكريم واعتماد المفاهيم القرآنية أساساً لتشكيل رؤية كونية أصيلة لدى المشارك.
قدرة المشارك على التأسيس لتفكير ممنهج متعدد الأبعاد وتطوير قدرته على التفكير التمحيصي، البناء والمنتج، واكتساب مهارات التحليل والنقاش والثقة بالاجتهاد الفكري والانفتاح الذهني.
ولادة توجهات أولية في الشؤون العامة مثل الموقف تجاه الاخر، المختلف ثقافياً، وتكوين نظرة جديدة الى تجارب البشر والاختلافات بين الناس.
قدرة المشارك على الفرز الواعي لجدليات الشؤون العامة وقدرته على الابداع فيها والنقد من منظور إسلامي ومنظور موضوعي ومنظور ذاتي، وكذلك توجه المشارك بشكل قوي للعمل العام ونشره لقناعاته الجديدة.
خلفية عن البرنامج
برنامج مهارات النجاح في عالم متغير هو منهج في التفكير يعتمد مرجعيات واضحة معلنة ومحددة، يمكن لأي شخص أن يستفيد منه، في أي مكان، في أي وظيفة وضمن أي سياق. لا يفرض البرنامج أي إنحياز سياسي أو ديني على المستفيدين منه. إنطلق البرنامج في العالم العربي في يناير من العام 2009م من بيروت حيث بدأ بمشاركة منظمات المجتمع المدني من حوالي سبعة دول عربية وهي: (العراق، السودان، مصر، المغرب، تونس، الجزائر ولبنان) ومثلوا بدايات تأسيس شبكة نجاح 21. ثم تطور البرنامج فكرياً وتنظيمياً حتى صار برنامجاً متكاملاً تم اختباره في عدة مناطق من العالم العربي والأوروبي والآسيوي، والتطوع هو السمة الغالبة على المشتغلين على البرنامج.
في 24 ـــ 27 مايو 2013م بشرم الشيخ – مصر تمت مأسسة الشبكة بصورة فعلية حيث إنضم إليها أعضاء جدد من ليبيا، الأردن وفلسطين. المهمة الأساسية للشبكة هي التنسيق بين المنظمات الأعضاء وتقديم الدعم والإسناد الإداري والاستشاري لها بكل الطرق الممكنة ، لتتمكن من تحقيق هدفها العام وهو تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تطوير ونشر ”ثقافة النجاح والازدهار“ في المجتمعات المسلمة. وتتبنى الشبكة برنامج “النجاح في عالم متغير” ورؤيته الشاملة للتغيير الاجتماعي وتلتزم بمرجعياته الفكرية، وتستخدم آليات” الريادة المجتمعية الحديثة ” كمنهج في تنفيذ مشاريعها.